“3” كوارث تحاصر ما تبقى من اقتصاد اليمن… تعرف عليها

14 يوليو 2017
“3” كوارث تحاصر ما تبقى من اقتصاد اليمن… تعرف عليها

لا يقتصر الحصار الاقتصادي على قطع العلاقات الدبلوماسية، أو إغلاق المعابر الحدودية، ولكن ربما يكون الحصار الذي تعيشه اليمن الآن أكثر فتكًا من أيِّ نوع آخر، إذ إن البلاد تواجه ثلاث كوارث بات الآن أقلها هو الحرب، فوباء الكوليرا ينتشر في 21 محافظة يمنية من أصل 22، إذ ما زالت محافظة أرخبيل سقطرى، هي المنطقة الوحيدة التي لم يتم فيها تسجيل أي إصابات.

وفي الوقت ذاته تتعالى التحذيرات محليًّا ودوليًّا من مجاعة وشيكة ربما تكون باتت واقعًا بالفعل، وبين الكوليرا والمجاعة، تواصل الحرب التي بدأت في مارس (آذار) 2015، مسيرتها في القضاء على ما تبقى من اقتصاد البلاد، وذلك وسط خوفٍ يتملك الجميع، فمن لم يسقط بالكوليرا، سقط في الحرب أو بات مهددًا بالمجاعة، وما زالت حتى الآن الحلول بعيدة أمام الأزمة الغذائية، وتلبية الاحتياجات العاجلة، وإعادة الإعمار.

الكوليرا.. لا يحصد الأرواح فقط

لا يتوقّف وباء الكوليرا – مرض يسبب إسهالًا حادًا يمكن أن يودي بحياة المريض خلال ساعات، إذا لم يخضع للعلاج – في اليمن على حصد الأرواح فقط، بل إنه يقود البلاد نحو أزماتٍ اقتصاديةٍ متلاحقة، سواء بالقطاع الصحي أو الزراعي، بالإضافة إلى كافة القطاعات الاقتصادية بالبلاد، ناهيك عن تسبُّب المرض الذي يتعرّض الأطفال، الذين يعانون من سوء التغذية وتقل أعمارهم عن خمس سنوات بشكل خاص لخطر الإصابة به، في وفاة 1732 حالة، منذ تفشي المرض في 27 أبريل (نيسان) الماضي، حسبما أعلنت منظمة الصحة العالمية، الثلاثاء 11 يوليو (تموز) الجاري.

وقالت المنظمة، في تقريرٍ لها، إنّه حتى نهاية العاشر من يوليو (تموز)،  تمّ تسجيل 313 ألفًا و538 حالة إصابة بالكوليرا والإسهالات الحادة، من بينها 1732 حالة وفاة، وذلك في وقتٍ تزيد فيه الحرب الدائرة في البلاد من صعوبة مواجهة الوباء.

واستفاد وباء الكوليرا من التدهور الاقتصادي باليمن، وذلك وسط انعدام الأمن الغذائي وتدهور الأحوال المعيشية للأسر، إذ يعيش غالبية السكان بلا كهرباء، ولا يحصلون على مياهٍ نظيفة صالحة للشرب، وهو المناخ الذي ساعد على انتشار الوباء بقوة، فيما تشير تقديرات البنك الدولي قبل الحرب إلى أن الإنفاق الصحِّي لا يتجاوز 80 دولارًا في السنة للفرد الواحد، وهو ما يعدُّ الأدنى بين الدول العربية.

ويؤكد عبد المجيد البطلي، رئيس قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط اليمنية، أنّ النفقات الصحية ببلاده أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط، بينما يتطلب تحقيق هدف توفير الصحة للجميع إنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي.

على الجانب الآخر، ومع تسارع انتشار المرض في البلاد، يتعرض قطاع الزراعة اليمنية لخسائر فادحة، إذ تسبب الوباء في عزوف المواطنين عن شراء المنتجات الزراعية المحلية، بعد أن بات القطاع أبرز المتهمين بنشر العدوى، إذ يؤكد الأطباء أن استخدام مياه الصرف الصحي في ري الخضروات سبب رئيس لانتشار وباء الكوليرا، وهو ما دفع أسعار الخضروات إلى التراجع بنسبة وصلت إلى 70%.

وزارة الزراعة من جانبها تقدر خسائر القطاع الأهم في اليمن منذ بداية الحرب بأكثر من 16 مليار دولار، منها خسائر في البنية التحتية والمنشآت والإنتاج النباتي والثروة الحيوانية والمعدات ووسائل النقل ومستلزمات الإنتاج، وتسهم الزراعة بحوالي 80% من الدخل القومي اليمني، وتوفر فرص عمل لحوالي 54% من القوة العاملة في أنحاء البلاد، فيما تساهم الزراعة بحوالي 15% من الناتج الإجمالي المحلي.

الأزمات التي صنعها وباء الكوليرا لا تتوقف عند هذا الحد، بل إنّ مياه الشرب نالت نصيبًا كبيرًا من الأضرار، إذ قفزتأسعار حاوية سعتها نحو 2500 لتر من المياه تكفي أسرة في صنعاء لأيام، إلى 12 ألف ريال (نحو 48 دولارًا)، بعد أن كان سعرها نحو 1200 ريال (5 دولارات) قبل الحرب، إلا أن الوباء أنعش تجارة تعقيم وفلترة المياه بالبلاد، وظهرت شركات جديدة متخصصة في بيع فلاتر المياه المصنوعة من السيراميك والبلاستيك، وارتفع سعر الفلتر إلى 30 دولارًا أمريكيًا من 21 دولارًا قبل الحرب.

مجاعة وشيكة وتمويل غائب

جيمي مكجولدريك، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، قال أمس الثلاثاء، إنّ اتساع نطاق وباء الكوليرا في اليمن قد يسرع وقوع مجاعة وشيكة مع تحويل موارد محدودة أصلًا من برامج لمكافحة سوء التغذية وبرامج أخرى لمحاولة احتواء المرض، مؤكدًا على انهيار النظام الاقتصادي والصحي بالبلاد.

أشار منسق الأمم المتحدة إلى أنه تم تسجيل نحو 313533 حالة يشتبه بإصابتها بالكوليرا، منذ بدء انتشاره في أواخر أبريل (نيسان) وذلك وفقًا لأحدث أرقام لدى الأمم المتحدة والتي تشير إلى «زيادة حادة»، موضحًا أن هذه الأرقام تزيد من خطر المجاعة بمناطق عديدة، قائلًا إن «بعض التقديرات تقول إن 500 ألف سيكون هدفًا قد يحدث إذا استمرت الظروف على ما هي عليه، لكن قد يكون العدد أكبر من ذلك إذا زاد الوضع سوءًا».

في فبراير (شباط) الماضي، قالت الأمم المتحدة إنّ 12 مليون شخص في اليمن يواجهون خطر المجاعة في ظل الحرب المستمرة منذ عامين وإن الوضع يتدهور بسرعة، وذلك قبل انتشار وباء الكوليرا، وهو ما يدلُّ على أن الرقم ربما يكون تضاعف في الوقت الحالي، ودعت المنظمة الدولية في ذلك الوقت لتقديم 2.1 مليار دولار لتوفير الغذاء ومساعدات ضرورية أخرى، مشيرة إلى أن اقتصاد اليمن ومؤسساته ينهاران وأن بنيته التحتية دُمِّرت.

ولكن بالرغم من مساعي المنظمة، إلا أنّها لم تحصل سوى على ثلث المبلغ، كما أنها دعت المنظمة الدولية إلى توفير 250 مليون دولار تمويلًا لمكافحة الكوليرا ولم تتلق سوى 47 مليونًا فقط، وسط غياب تام لأقل تمويل يحتاجه اليمن الفقير، إذ يقول ستيفن أوبريان منسق الإغاثة في الحالات الطارئة بالأمم المتحدة، إن «هناك 7.3 مليون يمني لا يعلمون من أين ستأتي وجبتهم التالية».

وفي ظل هذه الظروف المأساوية، تشير تقارير حديثة إلى أن أكثر من 55% من المنشآت الطبية في اليمن لا تعمل وإن وزارة الصحة ليست لديها ميزانية للتشغيل، فيما أعلن مجلس إدارة هيئة مستشفى الثورة الحكومي في مدينة تعز، مؤخرًا، عن إغلاق المستشفى، بسبب نقص التمويل وتجاهل الحكومة لنداءات الأطباء بتوفير الميزانية التشغيلية وصرف رواتب طاقم المستشفى، في الوقت الذي أغلقت فيه 37 مستشفى أبوابها من أصل 45 مستشفى في مدينة تعز، حسب بيان اللجنة الطبية.

وبالرغم من حاجات التمويل المتزايدة، إلا أن دور المؤسسات المالية الدولية، وكذلك الجيران الخليجيين ما زال أقل كثيرًا مما يجب، إذ اتفق اليمن مع البنك الدولي على تخصيص 816 مليون دولار لمشاريع طارئة في اليمن، وذلك لاستخدامها في مشاريع تصب في ترميم الخدمات الأساسية في المناطق الأكثر احتياجًا.

واتفق البنك على تخصيص 200 مليون دولار لدعم المعونات النقدية للأسر الأشد فقرًا، و80 مليون دولار لدعم القطاع الصحي والتغذية، و36 مليون دولار لدعم القطاع الزراعي عبر برنامج الأمن العالمي للغذاء الزراعي، و500 مليون دولار لإنشاء آلية تمويل لدعم الواردات الغذائية، ليصل المبلغ الإجمالي إلى 816 مليون دولار.

وفي ظل الغياب العربي عن التمويل، تبرع ولي العهد السعودي بمبلغ 66.7 مليون دولار لمكافحة وباء الكوليرا في اليمن، وذلك بناءً على طلب منظمتي الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) والصحة العالمية، إذ سيساعد المبلغ المنظمتين في التصدي بفاعلية لوباء الكوليرا من خلال مزيج من الأنشطة التي تتصل بالمياه والصرف الصحي والرعاية الصحية.

الحرب توقف حركة الاقتصاد

وسط المعطيات السابقة لم تعد عجلة الاقتصاد اليمني تتحرك، بل إن اقتصاد البلاد لم يتبق منه الكثير بسبب الحرب، التي قادت كل المؤشرات إلى مستويات متدنية، فمع تسجيل سعر صرف الريال اليمني أمام الدولار الأمريكي مستوياتٍ قياسية جديدة هي الأدنى منذ عقود داخل «السوق السوداء» (غير الرسمي)، توقفت حركة الاقتصاد واستنزف الاحتياطي النقدي، وهو ما دفع البنك المركزي اليمني لطرح إصدارٍ جديد من العملة الورقية فئة 500 ريال، لمواجهة أزمة السيولة النقدية.

ولجأت اليمن إلى طباعة كميات كبيرة من النقود بدون غطاء نقدي منذ بداية الحرب، وذلك لمواجهة أزمة السيولة، ما فاقم أزمات الاقتصاد ويهدّد بمزيد من الانخفاض في سعر العملة المحلية أمام الدولار، وقال مسئول بالبنك إن الطبعة الجديدة تختلف عن الأوراق النقدية القديمة من حيث المواصفات ودرجة الأمان والشكل والحجم، حيث يبلغ حجم الورقة الجديدة 155 ملم للطول وعرض 69 ملم.

وتعاني اليمن من أزمة سيولة نقدية على نطاق واسع، وتفاقمت هذه الأزمة بشكل كبير خلال يونيو (حزيران) الماضي، ما دفع البنوك إلى إبلاغ عملائها بعدم توفر السيولة، وحددت السحب من رصيد العميل بمبلغ 100 ألف ريال (500 دولار) في الأسبوع، إذ أوضح تقرير سابق لوزارة التخطيط، أنّ انهيار إيرادات الموازنة العامة للدولة، أدى إلى الاعتماد على السيولة النقدية المتوفرة لدى البنك المركزي الذي ساهم بحوالي 1.28 تريليون ريال في تمويل عجز الموازنة العامة خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) 2015 إلى أغسطس (آب) 2016، وبالتالي استنفدت السيولة التي كانت متاحة لدى البنك المركزي.

ويقدر الخبراء خسائر الاقتصاد اليمني جراء الحرب بمليارات الدولارات، ففي منتصف أغسطس (آب) 2016، قالت وكالة «رويترز» إنها اطلعت على تقرير سري يفيد بأن الخسائر الاقتصادية والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية جراء الحرب في اليمن تجاوزت 14 مليار دولار، واشترك في إعداد التقرير كل من البنك الدولي والأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية والاتحاد الأوروبي.

يشار إلى أنَّ الاقتصاد اليمني كان يعتمد على العائدات النفطية بنسبة 70% من موارد الموازنة العامة للدولة، و63% من إجمالي صادرات البلاد، و30% من الناتج المحلي الإجمالي. كذلك تشكل عائداته 90% من النقد الأجنبي، ومع استمرار الحرب في البلاد تراجع الإنتاج النفطي بأكثر من 50%، وهو ما شكل انهيارًا لإيرادات البلاد.

ويعدّ القطاع الزراعي ثاني أهم قطاع بالبلاد، إلا أنه كذلك لم يسلم من آلة الحرب، ووباء الكوليرا مؤخرًا، وكان القطاع يستقطب أكثر من 50% من القوى العاملة بنهاية 2013، لكن الآن يعد القطاع معطلًا بشكل كامل، مع هبوط أسعار المنتجات الغذائية المحلية بنسبة 70%.

ولعل تحويلات اليمنيين العاملين بالسعودية باتت أهم مورد اقتصادي لليمن في ظل الحرب، إلا أن هذا المورد كذلك أصبح مهددًا بعد أن وضعت الرسوم السعودية الجديدة العمالة اليمنية أمام خياراتٍ مرّة، فارضةً عليهم أعباء مالية جديدة تجعلهم الأكثر تضررًا، وبدأت السلطات السعودية، مؤخرًا، تطبيق الرسوم على المرافقين والتابعين للعمالة الوافدة، بواقع مائة ريال سعودي (9.4 ألف ريال يمني) رسمًا شهريًّا على كل مرافق أو تابع، ليصبح المبلغ سنويًا 1200 ريال (112 ألف ريال يمني).

ويقول أبو فواز، وهو مغترب يمني في حديث صحفي للعربي الجديد إنه «لن يتمكن 90% من العمال اليمنيين في السعودية من سداد هذه الرسوم، لأنها تتجاوز أصلًا ما يتقاضونه من أجور»، وهو ما يعني توقُّف المصدر الأهم حاليًا للبلاد، لتكتمل بذلك معالم الحصار التي يعاني منها اقتصاد اليمن.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق