بعد انقلاب عدن.. هل انتهى حلم اليمن الموحد وعاد الجنوب جنوبا والشمال شمالا؟

18 أغسطس 2019
بعد انقلاب عدن.. هل انتهى حلم اليمن الموحد وعاد الجنوب جنوبا والشمال شمالا؟

كان السؤال المطروح منذ الأسبوع الماضي يتمحور حول تضعضع التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. وفيما إن كانت السعودية وحليفتها القوية باتتا على مفرق طرق في الأهداف والممارسة على الأرض اليمنية، وإن كان اليمن الذي يواجه حروبا متعددة داخل مسمى الحرب ضد المتمردين الحوثيين سيظل موحدا كما كان منذ عام 1990. فسيطرة قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي قبل أيام من عيد الأضحى كانت النتيجة العملية للترتيبات التي تقوم بها دولة الإمارات وحليفة السعودية في الحرب على الحوثيين. وجاء إعلانها الشهر الماضي عن سحب قواتها من ميناء الحديدة الذي يعد شريان الحياة لملايين من منكوبي الحرب الأهلية بمثابة الحافز للانفصاليين الذين عملت على تدريبهم طوال سنوات تدخلها مع السعودية في اليمن منذ عام 2015.

أسئلة حول حليف

وبررت الإمارات قرار سحب قواتها بأنها تريد دعم جهود السلام في البلاد، مع أن القراءات تعددت للقرار الإماراتي وربطه الكثيرون بالخوف من الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج. ذلك أن الإمارات تقع في مرمى الصواريخ الإيرانية حالة اندلعت المواجهة. وإن صدقنا ما يقال فربما تعاملت أبو ظبي جديا مع التهديدات التي صدرت من إيران ووكلائها في المنطقة خاصة حزب الله من أن دول ناطحات الزجاج ستتهشم وليس من صالحها الدخول في مواجهة لا تتحملها.

وأثار سقوط عدن أسئلة على مصداقية الحليف الإماراتي، سواء لدى السعودية التي ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” (12/7/2019) أنها لم تكن راضية عن قرارها الخروج من اليمن، أو الولايات المتحدة التي قرأت في الحذر الإماراتي والتردد من تحميل الجارة إيران مسؤولية تفجير الناقلات في مضيق هرمز هذا الصيف صورة عن حليف لا يعتمد عليه. بل وزادت أبو ظبي من ابتعادها عن الموقفين الأمريكي والسعودي بتفعيل علاقتها مع طهران باسم ترتيب الملاحة البحرية والصيد في الخليج وإرسالها وفدا من خفر سواحلها إلى طهران. كما ورفضت الإمارات التعاون في القوة البحرية التي تريد أمريكا إنشاءها لحماية ممرات الملاحة في مضيق هرمز. وأشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” (15/8/2019) إلى هذه المخاوف عندما كشفت عن لقاءات رتبها مسؤول ملف إيران في الخارجية الأمريكية بريان هوك بين الإمارات وإسرائيل، حيث قالت إن واشنطن تريد دعمهما من أجل دفع دول أوروبية وشرقية أوسطية لاتخاذ موقف متشدد من إيران. والمشكلة كما قالت الصحيفة هي أن الإمارات تقيم علاقات مع جارتها طهران.

محدودية الطموح

وعلى العموم يكشف التصرف الإماراتي في المواجهة مع إيران وإرثها في اليمن عن حدود ما يمكن لهذه الدولة الصغيرة أن تحققه من طموحات في السياسة الخارجية الحازمة التي يتبناها ولي العهد في أبو ظبي والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن زايد. وتحدثت صحيفة “واشنطن بوست” (11/8/2019) في هذا السياق عن محدودية ما يمكن أن تفعله السياسة هذه سواء في اليمن أو ليبيا ومع قطر وفي السودان التي كانت مسارح لتطبيق هذه السياسة الحازمة وتمت باسم محاربة الإسلام السياسي. وليس غريبا أن تلعب الإمارات دور المحرض للانفصاليين في الجنوب على الحكومة الشرعية وما أسمتها “عصابات حزب الإصلاح” المرتبط بجماعة الإخوان ودور صانع السلام من خلال زيارة بن زايد لمكة واجتماعه مع الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد. وهذا لا يلغي الحصاد المر الذي تركته الإمارات في اليمن وتلاعبها في ديناميته الداخلية المعقدة، فقد انشغلت منذ دخولها الحرب عام 2015 بالسيطرة على الموانئ الرئيسية وجزيرة سقطرى وجلبت المرتزقة إليه من أجل تدريب الميليشيات مثل النخب الشبوانية والحضرمية بالإضافة للحزام الأمني مما دعا إلى اتهامها بتشكيل دولة موازية في الجنوب. وأبعد من هذا فاكتشاف الإمارات أخيرا أن الحرب في اليمن مكلفة عليها وعلى سمعتها، إن أخذنا بعين الاعتبار الشجب الدولي للكارثة فيه التي وصفتها الأمم المتحدة بأكبر كارثة في العالم وموقف الكونغرس المتشدد ومحاولاته تمرير القانون وراء القانون ضد صفقات السلاح والمسؤولين السعوديين الضالعين بجريمة قتل جمال خاشقجي، تشير إلى أن الإمارات توصلت لنتيجة أن الهروب الآن أفضل من انتظار نصر لم يعد قابلا للحدوث، ويبدو أنها أصبحت راضية بدولة منفصلة في الجنوب، سواء كان هذا ضمن الرؤية السعودية الداعمة لوحدة اليمن برئاسة حكومة شرعية لا أسنان لها على الأرض، ويقيم معظم قادتها في الرياض أم لا. ويبدو أن هذه الحكومة بدأت تكتشف أو بعض أفرادها، عبثية التحالف الذي تقوده السعودية. ولم تعد الحكومة الشرعية لعبد ربه منصور هادي التي أخرجها الحوثيون من صنعاء التي احتلوها عام 2014، واضطرت لنقل عاصمتها إلى عدن لتصبح من جديد بدون عاصمة، مهمة رغم أنها الشماعة التي استخدمت لشن الحملة الجوية عام 2015 فسلطتها على الأرض ظلت مهزوزة ومجالا للتنافس مع إمراء الحرب والانفصاليين وجماعات القاعدة وتنظيم “الدولة” وغير ذلك من اللاعبين في الحرب اليمنية المعقدة.

مصير التحالف

 وبدلا من الحديث عن مستقبل الحكومة الشرعية ما بعد عدن تم الحديث عن مستقبل العلاقة السعودية والإمارات وتحديدا، مشعلا الحرب وهما محمد بن زايد ومحمد بن سلمان. والأخير تحديدا ترتبط الحرب به لأنه أعلنها عندما تولى وزارة الدفاع بعد تولي والده العرش السعودي وكانت جزءا من لعبة صعوده السريع إلى السلطة. وتصور أنها لن تستمر سوى أسابيع أو أشهر لتتحول إلى مستنقع يستنزف المال والجنود ووضع البلاد كلها تحت رحمة صواريخ الحوثيين. ومن هنا يفهم سبب الغضب السعودي ومحاولات الديوان الملكي التدخل لإقناع الإماراتيين عدم ترك الساحة اليمنية. إلا أن القرار السابق غطت عليه الأحداث الأخيرة في عدن مما دعا المحللين للتساؤل حول مستقبل العلاقات بين بن زايد وبن سلمان. ويرى سايمون هندرسون من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بمقال نشره موقع “ذا هيل” (13/8/2019) أن سيطرة الانفصاليين الجنوبيين على عدن يعد امتحانا للعلاقة بين الحليفين وسيترك صدى الخلاف بينهما أثره على المنطقة ولهذا يقوم الكثير من اللاعبين والمراقبين أيضا بمتابعة الوضع. ويقول هندرسون إن أحداث عدن كشفت عن افتراق واضح في الأهداف بين الطرفين. وقرأ الكاتب زيارة بن زايد إلى مكة بأن دعوة الحوار السعودية أخفت وراءها قبولا بالواقع الجديد حيث شجعت هادي على التحاور مع الانفصاليين الذين طردوا قواته من عدن. ويعلق أن “النكسة الاستراتيجية” الجديدة أدت لخلق سرد جديد يريدنا أن نصدق أن السعودية والإمارات لا تزالان على قلب رجل واحد. مع أن الإمارات اكتشفت أخيرا أنها غير قادرة على مواصلة قتال الحوثيين وباتت بدولة منفصلة في الجنوب. ولم يبتعد المعلق المعروف بنقده لسياسة محمد بن سلمان، بروس ريدل عن هذا الإطار حيث قال في مقال نشره موقع “المونيتور” (12/8/2019) إن أحداث اليمن تعتبر إهانة جديدة ونكسة لجهود الحرب السعودية، وقائدها ولي العهد محمد بن سلمان. وقال إن الإمارات مسؤولة بشكل جزئي عن مكاسب الانفصاليين الجنوبيين، ما يعني أن الحوثيين وإيران هم المنتصرون استراتيجيا، و”قام الإماراتيون ببناء وتقوية الجنوبيين على مدى السنين الماضية، وعندما قامت أبو ظبي بسحب معظم قواتها من ميناء الحديدة شعر الانفصاليون بالحرية للتحرك ضد حكومة هادي، واستطاعوا الانتصار بسرعة”.

 ويرى الكاتب أن الفشل الأخير هو واحد من سلسلة أخطاء استراتيجية للقيادة السعودية، فالرد الأولي على دخول الحوثيين مدينة صنعاء كان محاولة خرقاء من الجو لهزيمتهم، فلم يكن لعملية “عاصفة الحزم” أي نصيب من اسمها، وكان غياب الأهداف الحقيقية واستراتيجية الخروج باديا منذ البداية لحلفاء السعودية، مثل باكستان وعمان حيث قررتا عدم المشاركة في الحرب، كما كانت إدارة الحرب الضحية الأولى لزعيم عديم الخبرة. وبدلا من أن تدمر الحرب قدرات الحوثيين الصاروخية في الجولة الأولى، زادت من فعاليتهم العسكرية وأصبحوا يضربون العمق السعودي. وتكبدت السعودية أكثر من 3 آلاف جندي و20.000 جريح. وحولت اليمن إلى مستنقع ترك آثارا كارثية على الشعب اليمني وأضر بالأطفال و”يتحمل السعوديون نصيب الأسد من هذه الكارثة التي حلت بأفقر بلد عربي”.

ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” (11/8/2019) عن الباحثة في شؤون اليمن في كلية بيمبروك في جامعة أوكسفورد إليزابيث كيندال، قولها: “هذا يضعف التحالف من خلال الكشف عن الصدوع في أسفل السطح”، وأضافت: “أصبح من الواضح أن الإمارات والسعودية لا تشتركان في الأهداف ذاتها في اليمن، مع أنهما تشتركان في الهدف ذاته، وهو إبعاد العدو المفترض، أي إيران”. وقالت “واشنطن بوست” إن المعارك الأخيرة كانت أكبر ضربة لطموحات السعودية بإعادة الحكومة الشرعية، خاصة أن عدن ظلت عاصمة مؤقتة لها بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، مشيرة إلى قول الحكومة السعودية، إن هذه المعارك تعد حرفا عن الحملة ضد الحوثيين. وأكدت كيندال أن تنظيم القاعدة وتنظيم “الدولة” يستفيدان من الفراغ الأمني في اليمن، مشيرة إلى أن تنظيم القاعدة شن في الأسبوع الأول من آب (أغسطس) سبع عمليات عسكرية، استهدف فيها القوات الموالية للإمارات، أما تنظيم “الدولة” فشن هجومين في عدن، وهما أول عمليتين يقوم بهما منذ عام. وهناك إيران التي سارعت هي وحلفاؤها الحوثيون بالاحتفال لأن الجبهة الجديدة في الجنوب تعني توقفا للحملات العسكرية الواسعة ضدهم، ولم يبق لدى السعودية سوى قوات محلية ومرتزقة جمعتهم من دول عدة بما فيهم مرتزقة من السودان. ومن هنا فالسعودية أمام منظور حرب لم يعد النصر فيها ممكنا. وربما وجد محمد بن سلمان وسيلة لتجاوز النقص بالطلب من حليفه دونالد ترامب تزويده بالسلاح، لكن مسؤولا أمريكيا نقلت عنه صحيفة “لوس أنجليس تايمز” (11/8/2019) قلل من إمكانية حدوث هذا “نحن لا نزيد الدعم” و “على السعوديين الاعتراف بهذا”. والمفارقة في حروب اليمن المتعددة هي أن السعودية التي أخطأت في أهدافها وحاولت التستر على قتل المدنيين كما ورد في تقرير قدم للحكومة البريطانية (الغارديان- 15/8/2019) لم تخطئ الهدف عندما ضربت الانفصاليين في الجنوب يوم 11 آب (أغسطس)، وهم نظريا حلفاؤها وينتمون لنفس الحلف الهش في الحرب ضد المحور الحوثي- الإيراني. وترى مجلة “إيكونوميست” (15/8/2019) أن التحالف الذي جمعته السعودية لم يكن أبدا متماسكا، وكان مجموعة من الجماعات المحلية المسلحة، كل لديها أجندتها الخاصة. ففي تعز وحدها التي يحاصرها الحوثيون منذ عام 2015 هناك 20 مجموعة قاتلت مع التحالف. فالولاءات ضعيفة، حيث ينضم المقاتلون للجانب الذي يدفع أكثر، ومعظم الجماعات لا تحب الحكومة الشرعية التي تراها فاسدة وغير فاعلة، ولهذا السبب لم يعد هادي من منفاه الذهبي في الرياض.

ومع ذلك فخط الصدع الواضح في الحرب لم يكن بين الحوثيين والحكومة الشرعية، بل بين الشمال والجنوب، حيث خاض الطرفان حروبا طويلة في العقود الماضية كانت آخرها حرب 1994 بعد الوحدة عام 1990. وفي ظل الوضع الجديد الذي انتصر فيه الجنوبيون على حكومة ضعيفة منفية فهم مصممون على التحكم حتى لو قامت السعودية بمحاولات لحفظ ماء الوجه للإبقاء على الحكومة الشرعية بشكل من الأشكال. وكما تقول المجلة فإن تباين الأهداف وما فعلته الإمارات في الجنوب يعني أن نصر التحالف يبدو بعيدا وعاد السؤال القديم: هل يمكن تجميع اليمن من جديد؟

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق