جرد حساب.. ما الذي جناه المجلس الانتقالي من “اتفاق الرياض”؟

7 نوفمبر 2019
جرد حساب.. ما الذي جناه المجلس الانتقالي من “اتفاق الرياض”؟

شهدت العاصمة السعودية الرياض، الثلاثاء، مراسيم توقيع ما يعرف بـ “اتفاق الرياض” بين الحكومة اليمنية من جهة وما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي من جهة ثانية.

وجاء الاتفاق لينهي الأزمة الخطيرة التي اندلعت بين السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي، بعد قيام الأخير وبإيعاز من الإمارات بتنفيذ انقلاب عسكري ضد الحكومة في عدن، في أغسطس الماضي، والتي أفضت إلى صراع عسكري دموي امتد حتى محافظة شبوة شرقي اليمن.

ووقع الاتفاق من جانب الحكومة اليمنية سالم الخنبشي نائب رئيس الوزراء، ومن جانب الانتقالي العضو في هيئة رئاسته ناصر الخبجي، بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.

ونشر موقع (العربية نت) السعودي نص الاتفاقية التي وقعها الجانبان، واحتوى النص على ديباجة (مقدمة) تلاها التزامات عامة ثم ثلاثة ملحقات: سياسي اقتصادي – عسكري – أمني.

الانتقالي يقود حملة “تضليل” استباقية

قبل خروج النص الرسمي لاتفاق الرياض إلى العلن سرّب وفد المجلس الانتقالي في السعودية عدداً من بنود الاتفاق إلى قنواته الإعلامية وشبكة ناشطيه على منصات التواصل الاجتماعي.

وقال مراقبون للشأن اليمني أن التسريبات التي مررها الانتقالي جاءت كخطوة “استباقية” لتضليل الرأي العام ولإيهام مناصريه بأنه حصل على تنازلات هامة من وفد الحكومة الشرعية.

وفي هذا الصدد يقول الصحفي أحمد المعافا: “منذ الوهلة الأولى لحوار جدة أدرك وفد الانتقالي أن هزيمة قواته العسكرية في شبوة وأبين وسقوطه الذي كاد أن يحدث في عدن لولا تدخل الإمارات، كان له أثر بالغ في طريقة سير المشاورات”.

مضيفاً: “لم يكن بيد هؤلاء المهترئين أن يحققوا شيئاً في الرياض، وبعد أن قدموا كل التنازلات للشرعية وخانوا كل الشعارات التي رفعوها، أدركوا بأن خروج تلك البنود للعلن سيمثل ضربة قاضية لهم ولادعاءاتهم الجوفاء في الأوساط الجنوبية التي لا تزال منخدعة بهم، فقرروا تسويق كل تلك الهزائم على أنها انتصارات هامة في طريق الانفصال”.

وهزأ الإعلامي اليمني الساخر محمد الربع من التضاؤل المرحلي لشعارات قيادات الانتقالي والتي كانت في أغسطس الماضي تتوعد الحكومة الشرعية بأنها ستفرض الانفصال بالقوة، وبأنها ستسيطر على شبوة ووادي حضرموت وكل الجنوب اليمني، ثم تقزمت تلك الشعارات التي ترجمتها اتفاقية الرياض إلى مجرد “شراكة محدودة” في الحكومة.

وسخر من تحوّل نضال هؤلاء الأدعياء إلى مجرد الاكتفاء بارتداء علم التشطير ضئيل الحجم على كوت أحد أعضاء وفد الانتقالي واعتبار ذلك نصراً لهم.

 

انتصارات أم هزائم؟

يقول أحد الناشطين الموالين للانتقالي في تعليق ساخر بعد مطالعته النص الرسمي للاتفاق والذي نشره موقع العربية نت مساء الثلاثاء الماضي: ” انتهيت من قراءة الاتفاق الذي أوهمنا أصحابنا أنهم حققوا من خلاله نصراً هاماً لنا وللقضية الجنوبية، وللأسف اكتشفت أنهم (مقلب كبير) سقطنا فيه”.

يضيف: “لا أجد شيئاً مما قالوا أنهم ذهبوا للرياض ليحققوه لنا.. أين شعارات أغسطس الرنانة يا هاني بن بريك؟ أين وعودك لنا بشرعنة فك الارتباط يا عيدروس؟ أين وعودكم لنا يا دجالين بأن ما بعد 10 أغسطس ليس كما قبله وبأن عدن لن تطأها حكومة هادي.. يا شماتة أبلة طازة فيا!”

وبمطالعة دقيقة للبنود يصبح من الصعب بمكان إيجاد أي انتصار “ملموس” ومؤثر لمجلس الانفصال. وعلى سبيل المثال فإن البند (4) من ديباجة الاتفاقية، والتي اطلع (عدن نيوز) عليها ينص على “الالتزام بحقوق المواطنة الكاملة لكافة أبناء الشعب اليمني ونبذ التمييز المناطقي والمذهبي ونبذ الفرقة والانقسام”. هذا البند ينسف بشكل كامل كل دعوى الانفصال وشعارات “فك الارتباط” الزائفة، حيث أن أساس هذه الدعوى يعتمد على فكرة مناطقية خبيثة تزعم أن اليمن ليست دولة واحدة وأن الشماليين والجنوبيين لا يربطهم أي شيء بالمطلق سوى الجوار الجغرافي.

وينص البند السادس على توحيد الجهود لمواجهة الحوثي والتنظيمات الإرهابية، وهذا جل ما كانت الشرعية تطالب المجلس الانتقالي بالالتزام به منذ تكوينه قبل عامين. لقد شكّل الانتقالي خنجراً في ظهر الشرعية منذ تأسيسه، وتمدد في كل المدن التي تمدد فيها مستغلاً انشغال الدولة والحكومة بالحرب المقدسة مع جماعة الحوثي، وبالتالي فإن البند السادس يحرم الانتقالي من إمكانية استغلال الحرب ضد الحوثي في تحقيق مصالحه أو تقويض الدولة.

ويتغنى الانتقالي بأنه حصل على تنازل هام وهو أن الحكومة التي ستتشكل ستكون مناصفة بين الجنوب والشمال، والحقيقة أن العكس هو ما حدث، فأولا مخرجات الحوار الوطني التي “يلعنها” الانتقالي صباح مساء نصت أصلاً على المناصفة بين الشمال والجنوب في الحكومة. وثانياً، حاز الجنوبيون في السنوات الماضية النسبة الأكبر في كل التشكيلات الحكومية اليمنية، وبالتالي فإن هذا البند تحديداً يعيد التوازن إلى نصابه عبر تقليص وزراء الجنوب وزيادة عدد وزراء الشمال.

وقبل كل هذا وذاك نصت الاتفاقية على أن الرئيس عبدربه منصور هادي هو الوحيد المخوّل بتعيين وزراء الحكومة ومن ضمنهم وزراء الوزارات السياسية، وكذا محافظي المحافظات وعلى رأسها عدن، بالإضافة إلى مدراء أمن المحافظات المحررة، بحسب ما ورد في البنود (1،2،4) من المحلق الأول لاتفاقية الرياض.

وكترجمة لهذه التنازلات التي أجبر الانتقالي على تقديمها يتوقع كثيرون أن أولى القرارات التي ستصدر عن الرئيس هادي ستكون الإطاحة بكل من شلال شائع، مدير أمن عدن الحالي، وصالح السيد مدير أمن لحج.

إذن، فإن كل الصلاحيات السيادية في جميع المحافظات المحررة باتت تحت تصرف الرئيس والحكومة الشرعية، وبالتالي فإن الشرعية فرضت سيطرتها وبسطت نفوذها على جميع مؤسسات الدولة دون استثناء وهذا يعني أن كل المكاسب التي حققها الانتقالي بعد انقلابه في عدن أصبحت “سراباً بقيعة”.

خسائر الانتقالي لم تقف عند ذلك الحد، بل إن الاتفاقية قضت بدمج كافة الوحدات العسكرية والأمنية التابعة للإنفصاليين تحت مظلتي وزارة الدفاع ووزارة الداخلية. وبلغة أبسط فإن الانتقالي خسر  – بموجب البنود الواردة في الملحق الأمني والملحق العسكري للاتفاقية – كل قوته المسلحة التي كان يتكئ عليها لإنفاذ أجندات الإمارات في اليمن. وبالتالي فإن الأحزمة الأمنية والنخب وغيرها من التشكيلات الموالية للانتقالي أصبحت تحت سيطرة الدولة.

وتعبيراً عن الهزائم التي حصدها الانتقالي في الاتفاق قال الناشط السياسي عبدالرقيب أحمد: ” يبدو أن هذه الاتفاقية قد قلّمت كل أظافر الانتقالي، بدءاً من الإمارات التي انسحبت من المشهد تماماً، ومروراً بالانقلاب الذي تم كسره، وليس انتهاءاً بكل التشكيلات العسكرية والأمنية الموالية له، والتي صارت الآن في بيت الطاعة للدولة الشرعية.. نعيماً”.

 

ويطرح الدكتور محمد جميح، سفير بلادنا لدى اليونسكو، تساؤلا مشروعاً بعد كل ما خسره الانتقالي جراء ما ورد في الاتفاق: علامَ الخوف إذن؟!

 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق