سنوات القهر والعذاب.. كيف امتهنت المليشيات كرامة اليمنيين؟ (تقرير خاص) (1)

15 سبتمبر 2019
سنوات القهر والعذاب.. كيف امتهنت المليشيات كرامة اليمنيين؟ (تقرير خاص) (1)

بالنظر مليّا إلى اليمن وما مرت به من مآسي وحروب خلال السنوات القليلة الماضية، يمكن القول أن هذه البلاد التي لا تزال صامدة حتى الآن قد تعرّضت لخذلان كبير؛ سواءاً من رجالات الدولة اليمنية المعاصرين أو الجوار الخليجي المحيط.

 

البلاد الذي كانت قبل الحرب أفقر دولة في بلاد العرب صارت الآن “أسوأ أزمة إنسانية في هذا الكوكب”، بحسب التوصيف الشهير للأمم المتحدة. الخراب طال كل شيء تقريباً في هذا البلد، الإنسان والشجر والحجر تعرض لحملة إبادة مهولة في بضعة أعوام. آلاف الأرواح زهقت تحت وقع النيران القادمة من السماء (الغارات) أو تلك القادمة من باطن الأرض (الألغام)، حتى صار على كل اليمنيين رجالاً ونساءاً وأطفالاً وكهولاً أن يتعايشوا مع هذا الواقع المرير.

 

ومن نجا من آلة القتل الفتاكة فهو مقبل ولا شك على طريق متخم  بالمآسي والأوجاع التي ترتقب موعدها لتنهش أعماقه فتحيله إلى جسد يمشي بلا روح: نزوح وتهجير.. اعتقال واختطاف قسري وتعذيب وحشي في زنازين أمراء الحرب.. اغتصاب للأعراض وانتهاك للحرمات.. مجاعة وفاقة .. وأمراض وأوبئة لا تعد ولا تحصى.

 

ولعلنا – كيمنيين – ارتكبنا الكثير من الأخطاء في السنوات الماضية لكن الخطيئة الأكثر فداحة في تاريخ أي دولة هو غضها الطرف عن التكوينات المليشياوية التي تزرعها الأطراف الإقليمية في الداخل.

 

لقد قادت هذه المليشيات – شمالاً وجنوباً – آلة الدمار التي قوّضت معالم الدولة أولاً قبل أن توغل في دماء اليمنيين وأعراضهم سعياً وراء التفرّد بالسلطة والثروة.

 

ما سنذكره هنا في (عدن نيوز) ليس إلا نماذج وشواهد موجزة للغاية مما ارتكبته هذه المليشيات ( جماعة الحوثيين شمالاً ومجلس الإنفصال جنوباً) وداعميها الإقليميين (إيران والإمارات) طوال الفترة الماضية من جرائم بحق الوطن وبحق المجتمع اليمني.

 

ولعل وصف “الحرب القذرة” هو أنسب وصف لما يجري من انتهاكات فادحة طوال هذه السنوات المريرة ومن جميع الاطراف.

 

هذه الحقيقة أكدها تقرير فريق الخبراء البارزين الدوليين المعنيين باليمن، والذي صدر مؤخراً. التقرير أكد في افتتاحيته أن “جميع أطراف الصراع في اليمن ارتكبت جرائم ترقى الى مستوى جرائم حرب ولم تتورّع عن اقتراف أبشع الانتهاكات في سبيل تحقيق غاياتها”. مشيراً إلى أن “التأثيرات العملية لهذه الانتهاكات على حياة المدنيين اليمنيين كان هائلاً وواسع النطاق”.

 

أولاً: جماعة الحوثيين

بالعودة الى الإحصائيات الرسمية حصدت الآلة الحوثية أرواح الآلاف من المدنيين منذ بدء تحركها خارج إطار معقلها في صعدة. وفي هذا الصدد أكد وزير حقوق الإنسان محمد عسكر، أن جماعة الحوثيين قتلت أكثر من 14000 مدني خلال أربع سنوات، مشيراً إلى وجود حوالى 3500 معتقل في سجون ميليشياتها.

 

وفي ذات الفترة أعلن التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الانسان “رصد” عن توثيقه 3544 حالة مخفي قسرياً في اليمن، خلال الفترة من سبتمبر 2014م وحتى ديسمبر 2018م في عدد من المحافظات اليمنية.

 

ويصف تقرير أممي صدر حديثاً عن فريق الخبراء البارزين الدوليين المعنيين باليمن حال صنعاء والمناطق التي تحت سلطة الحوثيين بالقول: منذ دخل الحوثيون صنعاء ساد مناخ من الخوف المتزايد في العاصمة وغيرها من مدن الشمال.

مواقع معتقلات الحوثيين في صنعاء 2019
مواقع معتقلات الحوثيين في صنعاء 2019

لم يتورّع الحوثيون طوال مسيرتهم على اقتراف مختلف الفظاعات والجرائم بحق كل من يخالفهم. قائمة الجرائم تشمل قتل المدنيين واعتقال وتعذيب المدنيين بوحشية مفرطة، بالإضافة الى تدمير البنية التحتية والممتلكات الخاصة والعامة، وتفجير المنازل ودور العبادة، وانتهاك قدسية الطفولة من خلال التجنيد الإجباري والقتل والتشويه وحرمان الأطفال من التعليم والصحة والتجويع ونهب المساعدات الغذائية.

توصيف لطبيعة الوضع في صنعاء بعد الانقلاب الحوثي
توصيف لطبيعة الوضع في صنعاء بعد الانقلاب الحوثي

غير أن جملة التقارير الدولية البارزة التي صدرت مؤخراً كشفت عن جرائم جنسية مروعة تعرّضت لها يمنيات بعد اعتقالهن في زنازين الحوثي. في حين كانت تقارير سابقة قد كشفت عن انتهاكات جنسية صارخة تعرض لها قطاع كبير من المعتقلين لدى الحوثيين.

 

ومن التقارير التي تناولت الاعتداءات الجنسية ضد معتقلين في سجون الحوثي يبرز تقرير مثير نشرته وكالة أسوشييتد برس الأمريكية. التقرير يسرد قصصاً مروعة لجلسات تعذيب انتهكت فيها المليشيات كرامة المواطن اليمني دون أن يرف لها جفن.

 

التقرير الصادر في ديسمبر 2018م يسرد في أحد فقراته جلسة تعذيب تعرّض لها طبيب يمني يدعى فاروق بعكر: “قام المسلحون بعد اعتقاله بتعليقه من السقف وجردوه من ملابسه وجلدوه عاريًا ثم نزعوا أظافره وأحرقوا شعره. أغمي عليه. وذات يوم أحضروا زجاجات بلاستيكية وبدؤوا في إحراقها وصب البلاستيك المحترق فوق رأسه وعلى ظهره وبين فخذيه”.

جزء من التقرير الذي نشرته وكالة أسوشييتد برس

ولا تزال الهيئة التي وجد عليها الطبيب منير المشرقي ماثلة للعيان كنموذج صارخ وصادم لطبيعة جلسات التعذيب التي يتلقاها المعتقلون اليمنيون في أقبية وسجون المليشيا الحوثية. غير مدرك لما آل إليه وفاقداً لعقله بات المشرقي خيالاً متهالكاً أو جسداً تعرضت روحها للتمزيق.

الطبيب منير المشرقي بعد فترة وجيزة من العثور عليه مرمياً بجانب الطريق. أصبح فاقداً للعقل بعد تعذيب وحشي من قبل الحوثيين

فقط دعه يموت!

من ضمن الحالات التي سردها تقرير أسوشييتد برس حالة لمعتقل قال إنه تم ربط قضيبه ولم يتمكن من التبول. وأُغلقت مؤخرة أخر بعد أن قام حراس الحوثي برمي ظهره بالحامض، مما أدى إلى ذوبان جلده. وصف الطبيب طريقة المساعدة باستخدام الأسلاك لمساعدته على فتح الباب لإزالة البراز.

 

وأضاف: “عندما سألت الحراس الحوثيين المساعدة، بالقول إن الرجل يموت، كان جوابهم الوحيد هو:” دعه يموت “.

أحد المعتقلين في زنازين الحوثي يروي فصلاً من مأساته

ويورد تقرير فريق الخبراء الأممي شواهد مرعبة لجلسات تعذيب جنسية شملت خلع الملابس بشكل كلي والاعتداء على الأعضاء الجنسية وحتى الاغتصاب.

 

في الفقرة (418) يقول التقرير بالنص:

“توصل الفريق، من خلال التحقيقات التي أجراها، بأن العنف الجنسي قد استخدم كشكل من أشكال التعذيب ضد محتجزين، بما في ذلك في مركز الاحتجاز التابع للأمن السياسي. وشملت الادعاءات التي تلقاها الفريق ضحية رُبط عضوه التناسلي بسلك لمدة خمسة أيام ، فيما تمّ تهديد آخر بالاغتصاب، بما في ذلك بواسطة أداة. كما تلقى فريق الخبراء تقارير مختلفة عن العري القسري أمام معتقلين آخرين وأمام الحرّاس. كما وصلت الفريق مزاعم بحجز الفتيان الصغار، إما لارتباطهم المزعوم بأحزاب المعارضة، أو لاستخراج المعلومات منهم، أو لممارسة الضغط على أحد أفراد الأسرة “للاستسلام” إلى سلطات الأمر الواقع. وفي إحدى هذه الحالات، تلقى الفريق معلومات تفيد بأن أحد هؤلاء الفتيان المحتجز في مرفق احتجاز الأمن السياسي قد تعرّض للتعذيب، بما في ذلك الاعتداء الجنسي كالضرب على أعضائه التناسلية، والعُري القسري، والتهديد بالاغتصاب”.

جزء مما ورد في تقرير الخبراء الدوليين

 

ولعل جماعة الحوثي كانت المليشيا الوحيدة التي ابتكرت أسلوباً جديداً في جباية الأموال، بخلاف بقية المليشيات المنتشرة في عموم اليمن، عبر الاعتقال التعسفي بدون أي مسوغ، ثم ابتزاز أسرة المعتقل على دفع مبالغ طائلة للإفراج عنه.

جنى الحوثيون مبالغ طائلة من اعتقال المدنيين ثم إطلاق سراحهم

لم يقتصر الإبتزاز بغرض جباية الأموال على المعتقلين فقط، بل تجاوز ذلك إلى الابتزاز عبر مقايضة جثث بعض المعتقلين الذين توفوا بسبب التعذيب، وهي سابقة بالغة الخطورة.

 

النساء في مرمى آلة القمع الحوثية

منذ الأزل كانت المرأة اليمنية محاطة بهالة من القداسة والتبجيل. وكان التعدي على أي امرأة يمنية بمثابة عيب أسود في العرف المجتمعي والقبلي. ولهذا فقد امتنع كل المتصارعون قديماً وحديثاً عن كسر هذا العرف أو مجرد الاقتراب منه. حتى مع أيام الثورة الشبابية ضد نظام علي عبدالله صالح كانت المرأة تقود التظاهرات وتحرك الجماهير ثم تعود إلى دارها آمنة من أي أذى.

 

إلا أن الجماعة الحوثية التي كسرت كل الأعراف وانتهكت كل المحرمات منذ انقلابها المشئوم كسرت هذا العرف وارتكبت فظاعات وحشية بحق النساء اليمنيات.

 

وتحدث فريق الخبراء الأممي أنه رصد حالات عنف جنسي في معتقلات الحوثي خلال الفترة من 2016 حتى 2019. ومن بين 12 حالة انتهاك جنسي توجد خمسة نساء وصبي.

انتهاكات جنسية صارخة طالت النساء أيضا!

وفي فقرة أخرى يقول التقرير بالنص:

“حقق الفريق في قضية أخرى وصفت فيها امرأة تعرضها للاغتصاب في مناسبات متعددة على مدى أشهر بعد محاضرات مؤيدة للحوثيين ومحاضرات عن الدين. ووصفت أن الشيء نفسه حدث مع ناشطات أخريات، وذكرت أن هذه الاعتداءات تحدث داخل شبكة أوسع من المنشآت السرية التي تحدث فيها هذه الممارسات”.

 

المليشيات ابتكرت أيضاً وسيلة للإيغال في انتهاك حرمة المرأة اليمنية، عبر إنشاء فرق “الزينبيات”، وهي فرق أمنية نسوية متخصصة بالقبض والاعتداء على النسوة اللاتي تشك الجماعة في أمرهن.

طالبة تروي هجوم الزينبيات على تظاهرة أقيمت أمام بوابة جامعة صنعاء

ويكشف تقرير مطوّل لمنظمة سام للحريات عن أرقام مرعبة باعتداءات طالت النساء داخل مناطق سلطة الحوثي خلال أربع سنوات من 2014م وحتى نهاية 2018م.

 

وبينت الأرقام، أنّ عدد اليمنيات اللاتي قُتلن على أيدي الحوثيين خلال هذه الفترة بلغ 522 امرأة. حيث قتلت جماعة الحوثي 405 نساء بالاشتراك مع قوات الرئيس السابق صالح خلال الفترة التي يغطيها التقرير، وقتلت وحدها بعد انفصالها عن قوات صالح 117 امرأة.

 

وإيغالاً في انتهاك حرمات النساء نشرت الجماعة الحوثية الفلم الدعائي الذي حمل عنوان «خطوط حمراء، عبر قناة المسيرة، حيث وجهت «مليشيا الحوثي » تهما جاهزة لتغطية الانتهاكات التي تمارسها بحق النساء، وأجبرت العديد منهن على الاعتراف بأنهن ينشطن في خلايا “للدعارة”.

 

وقد أشار تقرير الخبراء البارزين عن حملة الاعتقالات الحوثية التي طالت نساء بتهم “الدعارة”.

حملة تشهير كبرى شنتها الجماعة الحوثية بحق عشرات النسوة في مناطق سيطرتها

 

بينما سرد تقرير منظمة سام بعض أساليب التعذيب التي تتعرض لها النساء المعتقلات في سجون مليشيا الحوثي، مثل لطيفة التي تقول: « تعرضت للضرب في الوجه، وفي مقدمة الفم حتى تكسرت أسناني، وشاهدت معتقلة أخرى أوقفوها يوم كامل على علبة الفاصوليا حتى تمزقت الأوعية الدموية لرجلها، وثالثة حدث لها جلطة من كثر التعذيب وأدخلوها المستشفى باسم وهمي، ورابعة صدرها كله محروق بسبب التعذيب بالصاعق الكهربائي ».

 

قناصة الحوثي.. ضغطة زناد تنهي حياة

تناول التقرير الأممي الأخير لفريق الخبراء البارزين باستفاضة جرائم القصف العشوائي على التجمعات المدنية وكذا جرائم كتائب القناصة الحوثية بحق المدنيين والأطفال وعلى وجه الخصوص في محافظة تعز وسط اليمن.

 

في إحدى فقراته يقول التقرير أن صاروخاً حوثياً قتل في أكتوبر 2015م ما لا يقل عن 11 مدنيا بينهم طفل وامرأتان. كما سرد التقرير حالات عدة لقصف عشوائي طال مناطق مكتظة بالسكان.

جزء مما ورد في
جزء مما ورد في التقرير الأممي

ويقول التقرير في فقرة أخرى أن مقاتلي الحوثي صالح كانوا مسؤولين عن شن هجمات على مناطق مكتظة بالسكان، مشيرة إلى أن ذلك يعد “جريمة حرب”.

التقرير يقر بأن جماعة الحوثي وقوات صالح ارتكبت جرائم حرب

 

 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق