حوار يلوح في جدة والشرعية أمام مفترق طرق: الإصرار على “سيادة كاملة” أم شرعنة الانقلاب (تقرير)

4 سبتمبر 2019
حوار يلوح في جدة والشرعية أمام مفترق طرق: الإصرار على “سيادة كاملة” أم شرعنة الانقلاب (تقرير)

تقول التقارير القادمة من المملكة العربية السعودية أن الحراك الدبلوماسي تكثف مؤخراً لعقد لقاء تحاوري بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانفصالي الإماراتي.

وبحسب وسائل إعلام سعودية، فقد وصل اليوم الثلاثاء وفد الانفصاليين الى السعودية برئاسة عيدروس الزبيدي، رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي، استجابة لدعوة مشتركة من السعودية والإمارات للحوار في مدينة جدة.

يأتي ذلك وسط تكتم إعلامي من قبل السلطة الشرعية، حيث لم تصدر السلطات الرسمية حتى هذه اللحظة أية تعليقات بخصوص الأنباء التي تشير إلى موافقتها على التحاور مع مجلس التمرد الانفصالي.

وكانت الحكومة الشرعية قد رفضت سابقاً عقد مفاوضات مع وفد الانفصاليين في جدة قبل التزامهم بما ورد في البيان السعودي الصادر عشية الانقلاب في عدن، في العاشر من أغسطس الماضي.

البيان الذي صدر في ذلك الوقت وصفه مراقبون بأنه بيان شديد اللهجة، وطالب فيه المجلس الانفصالي بسحب كافة قواته وآلياته من المواقع التي سيطر عليها في عدن (المدنية والعسكرية)، وإعادة تموضع جميع القوات كما كانت قبيل التمرد، وهو ما أعلن المجلس الانتقالي حينها رفضه، وأصر على خوض مفاوضات دون إجراء أي انسحابات.

تبدّل موازين القوى على الأرض

يقول مراقبون أن الحكومة الشرعية ملزمة بعدم التحاور مع الإنقلابيين، وخاصة في ظل تغير كبير في موازين القوى على الأرض في الآونة الأخيرة لصالحها، عسكرياً وجماهيرياً.

وهنا لابد من استذكار المحاولة السعودية الأولى لعقد حوار بين الطرفين: ففي العشرين من أغسطس الماضي وصل وفد المجلس الانتقالي إلى مدينة جدة الساحلية. الوفد كان يتكون من خمسة أعضاء هم ناصر الخبجي وعدنان الكاف وعلي الكثيري وعبد الرحمن اليافعي، ويترأسهم عيدروس الزبيدي.

في ذلك الوقت تحديداً، كانت موازين القوة على الأرض ترجح كفة الانفصاليين، بعد أن تمكنوا من الإطاحة بالحكومة الشرعية في عدن ثم نجحوا بعدها بأيام في اقتحام محافظة أبين – معقل الرئيس هادي ومسقط رأسه –  وإخضاعها  لسلطتهم. نفوذهم لم يقتصر على هاتين المحافظتين، بل حققوا اختراقاً خطيراً في محافظة شبوة النفطية، وفرضوا حصاراً على القوات الحكومية المتمركزة داخل مدينة عتق، عاصمة المحافظة.

ولهذا فقد قدّمت الإمارات وفدها التفاوضي الى جده بسقف مطالب مرتفعة للغاية، تبدأ بسيطرة الانفصاليين على جميع المناصب المدنية والعسكرية في المحافظات اليمنية الجنوبية وطرد كل القوات الشمالية منها، ولا تنتهي بالمحاصصة في أي مفاوضات أممية قادمة واشتراط قبول حكومة الشرعية بإجراء (الانفصال) بين شطري اليمن.

الشرعية رفضت في ذلك الوقت إجراء أي حوار مع الانقلابيين، ليعود الانقلابيون من جدة بخفي حنبين.

بعدها بأيام قلائل تغير المشهد على الأرض بشكل جذري: حررت الشرعية شبوة ثم أبين ثم لحج ثم توغلت في عمق العاصمة المؤقتة عدن ووصلت الى مشارف قصر المعاشيق الحكومي، قبل أن تتعرض قواتها لقصف جوي غادر من قبل المقاتلات الإماراتية، أجبرها على التراجع الى أبين بشكل مؤقت.

رافق ذلك هبة جماهيرية غير مسبوقة، عبرت عنها الحملات الإليكترونية الموجهة ضد الإمارات وأدواتها في اليمن، والتي حققت نجاحاً كبيراً.

وبهذا فرضت الشرعية نفسها من جديد في المحافظات المحررة، وأعادت هيبة سلطتها أمام الإقليم والمجتمع الدولي.

ولهذا فإنه من غير المرجح – بحسب مراقبين – أن ترمي الحكومة الشرعية بكل المكتسبات التي حققتها مؤخراً وتقبل الدخول في حوار مع الانفصاليين قبل انسحابهم من كافة المواقع التي سيطروا عليها في عدن.

وفي هذا الصدد يقول مختار الرحبي، مستشار وزير الإعلام: “لا حوار ولا تحاور مع مليشيات الانتقالي الانقلابية العنصرية القروية إلا بعد الانسحاب من مؤسسات الدولة ومن المعسكرات والمقار الحكومية التى احتلتها هذه المليشيات في عدن وبعض مناطق أبين وتسليمها للحكومة الشرعيه”.

ويصف المحلل السياسي معن دماج الوضع الحالي للشرعية والانتقالي بالقول: ” موقف الإنتقالي اليوم اضعف من زيارته الأولى الى جدة بعد اسقاط عدن عندما كان يزعم قدرته على اجتياح كل الجنوب والتأثير الشعبي الذي يحضى به، كل ذلك تبدد اليوم بداية من هزيمته المذلة بشبوة وحتى عدن قبل تدخل الإمارات المباشر قبل خسارته كل شيء!!”.

رفض شعبي جارف لأي حوار مع الانقلابيين

وبمجرد توالي الأنباء عن لقاء مرتقب بين الشرعية والانقلابيين شهدت مواقع التواصل الاجتماعي زخماً متزايداً لناشطين يمنيين أعلنوا رفضهم المطلق لأي حوار مع الانفصاليين في جدة.

وضجّت مواقع التواصل بمنشورات وتغريدات تحذر الشرعية من إقدامها على هذه الخطوة، معتبرين ذلك “خيانة عظمى” بحق الشعب والدولة، وطعنة في خاصرة الإرادة الشعبية التي قررت المواجهة مع المشروع الإماراتي في اليمن.

وفي هذا الصدد قال الصحفي عامر الدميني: ” من العار والخزي أن يتم جمع الحكومة الشرعية والإنتقالي للتفاوض بعد التصعيد المليشاوي الإرهابي للانتقالي في عدن وبقية المدن”.

مضيفاً: الجلوس معا يعني هزيمة الحكومة، ويعني إن ما جرى في أغسطس كان بدعم من السعودية و الإمارات لإضعاف الشرعية.

من جهته أعلن الصحفي فتحي بن لزرق الرفض المطلق لأي اتفاق يجمع الحكومة الشرعية لليمن مع الانقلابيين. وقال أن على الشرعية أن تتمسك بخيارها المتمثل في حق الدولة الأصيل باحتكار السلطة والسلاح، ورفض تمرير أية اتفاقات تقلص من سلطتها.

وعلّق المحلل السياسي عبدالناصر المودّع ساخراً: “ليش ما يتم دعوة الحوثيين والقاعدة وداعش إلى حوار جدة ويتم ضمهم للحكومة جنب الانفصاليين وتقع “مخضرية” وقاهي إلا هي على قولة أصحاب اب”.

في حين حمّلت الإعلامية نادية عبدالله الرئيس عبدربه منصور هادي وقيادة الشرعية المسئولية الكاملة فيما إذا وافقت قيادة الشرعية على خوض مباحثات مع الانفصاليين. مشيرة إلى أن أي اتفاق سيعني بالضرورة شرعنة للانقلاب وخطوة في طريق تقسيم اليمن.

 

 

 

 

ضغوط سعودية للانخراط في الحوار

وتشير بعض التسريبات غير المؤكدة بأن السلطات السعودية مارست ضغوطاً كبيرة مؤخراً على الحكومة الشرعية للانخراط في عملية تفاوضية مع الانقلابيين في عدن، تماهياً مع رغبة إماراتية جارفة تسعى لشرعنة التمرد.

وفي إشارة لهذه الضغوط قال مختار الرحبي: ” لن يقبل الشعب اليمني اي ضغوط قد تمارس على الحكومة الشرعية للقبول باي صيغة للحوار او الدخول بصفقة مع عصابات الانقلاب في عدن اي حوار او جلوس مع القتلة والمجرمين من قيادات المجلس الانتقالي يعني خيانة لدماء الشهداء من ابناء الحماية الرئاسية ومن شهداء قصف الجيش من طيران عيال زايد”.

 

 

 

ودلّل كثيرون على تبدّل وجهة النظر السعودية من الحكومة الشرعية عبر عناوين لافتة لصحف سعودية بارزة تحاول إلصاق تهمة “الأخونة والإرهاب” بالشرعية. ويشير هذا التبدل – بحسب هؤلاء – إلى رضوخ الرياض مجدداً لسياسة أبوظبي، الأمر الذي سينعكس سلباً على مكانتها كأقوى دولة عربية في جزيرة العرب.

ومع ذلك يرفض اليمنيون تقبل فكرة رضوخ السلطة الشرعية للضغط السعودي مهما بلغت حدته، ويقولون بأنهم لن يتسامحوا أبداً مع أي تنازلات تقدمها السلطة الشرعية في هذا الإطار.

وواجهت المملكة العربية السعودية انتقادات لاذعة بسبب ضبابية موقفها من التمرد الإنقلابي في عدن.

ويرى يمنيون أن السعودية تتهرب من أي حرج مع شريكتها في التحالف “الإمارات”، في وقت تبدي فيه الأخيرة نزعة لفرض إرادتها على السعودية فيما يخص الملف اليمني، بالرغم من كون السعودية قائدة للتحالف العربي الذي أعلن وقت إنشائه أن يهدف إلى إسناد الحكومة الشرعية.

وتداول ناشطون على نطاق واسع مقطع فيديو يظهر فيه الناطق باسم قوات التحالف العربي في اليمن، العقيد في الجيش السعودي تركي المالكي، وهو يتهرّب بحرج شديد من سؤال لإعلامي يمني طلب منه تعليقاً حول الاتهامات التي وجهتها أبوظبي للقوات الحكومية، حيث وصفت الجيش الوطني بأنه “مجاميع إرهابية”، أثناء تبريرها للقصف الذي شنته مقاتلاتها على الجيش في عدن وأبين.

 

 

 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق