القربان الإماراتي لإيران: فناء اليمن والسعودية وتأبيد “الحوثي”

19 أغسطس 2019
القربان الإماراتي لإيران: فناء اليمن والسعودية وتأبيد “الحوثي”
أبو زين
أبو زين

بقلم - أبو زين

بات من المحسوم جدلاً وجود حالة من “التفاهم” بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية إيران، بعد فترة طويلة من الجفاء المزعوم والعداء المكذوب، خاصة في ظل تواري الإمارات خلف جلباب “مواجهة التمدد الإيراني والمشروع الفارسي” في المنطقة العربية، وبروزها كحليف رئيسي للمملكة العربية السعودية، في حملتها العسكرية ضد ذراع إيران في اليمن (جماعة الحوثي).

إلا أن التطورات الحديثة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن التواصل بين -ابو ظبي وطهران- مؤخرا جاء كترجمة طبيعة لحقيقة “التناغم” بينهما وواحدية رؤيتهما في الكثير من الاستراتيجيات الإقليمية، وعلى وجه الخصوص تلك المضادة لثورات الربيع العربي، باعتبارها المصدر الأكثر إلهاماً لشعوب المنطقة، ما يجعلها بالضرورة تهديداً رئيسياً لاستقرار النظم الاستبدادية في منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها النظامين في أبوظبي وطهران.

ولولا طبيعة الصدامات الأهلية وتعقيدات التحالفات في جزيرة العرب الملتهبة في السنوات الأخيرة، والفوضى العارمة التي عصفت بالعديد من البلدان العربية شرقاً وغرباً لتجسّد التحالف الاستراتيجي بين نظام الملالي في طهران ونظام بن زايد في أبوظبي، كرافعة مشتركة لكل مشاريع الهدم والخراب في المنطقة.

إيران كانت السباقة في مضمار الخراب، فشرعت في تسليح مليشياتها التي كانت متواجدة في محافظة صعدة، أقصى شمال اليمن، عقب انهيار نظام علي عبدالله صالح مع نهاية العام 2011م، وأوعزت للحوثيين ببدء حملة التوسّع حتى انتهى بهم المطاف باقتحام العاصمة صنعاء وإسقاط حكومة التوافق ومعها الحياة السياسية في اليمن.

غير أن الإمارات ارتأت أن الفرصة أصبحت سانحة لاقتطاع قطعة كبرى من “كعكة” اليمن المترنح، والانتقام من إيران بعد أن أوعزت لها بأن الحوثي سيجري “عملية عسكرية محدودة للإطاحة بالإصلاح في عمران”، ثم سيعود أدراجه فدعمت مليشيات الحوثي الموالية لايران بقرابة ٢ مليار دولار لاقتحام صنعاء واجتياح المحافظات اليمنية.

وحينما أعلنت السعودية اعتزامها شن حملة عسكرية لضرب الحوثيين، رأت الإمارات في تلك الخطوة السعودية منفذاً هاماً وفرصة لا تعوّض للعودة الى المشهد اليمني، واقتطاع ما يمكن اقتطاعه من المصالح في اليمن تحت حجة مواجهة الحوثي وإيران في اليمن.

وبالفعل كانت الإمارات هي المحرّك الأساسي لمعظم العمليات العسكرية في المحافظات الجنوبية ضد الحوثيين، وخلال أشهر فقط عاد مقاتلو الجماعة قسراً الى الشمال، وتم تحرير معظم الأراضي اليمنية في الجنوب، وأصبحت الإمارات بذلك متسيدة المشهد في المحافظات المحررة.

الحراك العسكري الذي قادته الإمارات في اليمن ألقى -بالضرورة- بظلاله على طبيعة العلاقات مع إيران، وانتقلت حالة التناغم السياسي بين الإيرانيين والإماراتيين الى مربع الاشتباك والتضاد، وتنامى شعور لدى الطرفين بالرغبة في إزاحة الآخر والتفرد باليمن، في وقت بلغت فيه البلاد مبلغاً غير مسبوق من الهشاشة والضعف.

ولهذا كان صراع الطرفين في اليمن صراع مصالح وصراع أطماع، فغرقت اليمن وعم فيها  الخراب والفقر والجوع والمرض في بضع سنين فقط.

الإمارات كانت أكثر تحديداً لأطماعها من إيران، فالأخيرة كانت تريد يمناً شيعياً بالكامل، كي يكون بندقيتها المصوبة على عدوتها اللدود “السعودية” من الخلف، أما الإمارات فأرادت أمرا مختلفا: الثروة والموانئ، وهو هدف استراتيجي ظلت الإمارات تستثمر سنوات عديدة لتحقيقه في المناطق المجاورة لليمن؛ في القرن الإفريقي تحديداً، ولم تكن الحلقة لتكتمل إلا بإكمال الهيمنة على موانئ اليمن، الأمر الذي سيعطيها نفوذاً إقليمياً فارقاً، بإشرافها على أكبر وأهم الممرات الملاحية في العالم أجمع.

وبعد أن فشلت الإمارات في حملتها العسكرية الأخيرة للاستيلاء على ميناء ومدينة الحديدة من يد الحوثي وإيران، أدركت أبوظبي أن مرحلة التوسع في اليمن وصلت لنهايتها، وبات لزاماً عليها إعادة رسم سياساتها في المنطقة وفقاً للواقع الجديد واستناداً على قاعدة الهيمنة المطلقة التي تحققت لها في جنوب اليمن.

في ذات الوقت كانت السعودية تغرق أكثر وأكثر في “مستنقع” اليمن، بحسب وصف صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فلا هي استطاعت كبح جماح القدرة العسكرية للحوثيين، ولا هي أدركت أن الإمارات قد غافلتها وخلقت واقعاً جديداً في الجنوب المحرر، باتت معه الحكومة والسلطة الشرعية محشورتان في هامش بالغ الضيق، دون سلاح أو دولة فعلية قائمة على الأرض.

أما الإمارات التي حققت أهدافها التوسعية في اليمن فقد كانت تدرك أن هناك هدفاً آخر لم يتحقق بعد وهو: تصويب العلاقة مع إيران وضمان أن لا يطالها أي أذى من الدولة الفارسية مستقبلاً، مع إدراكها بمدى هشاشتها العسكرية.

كان هذا الهدف هامشياً في فترة ما، أما الآن فقد بات حتمياً، خاصة مع محاولة المملكة العربية السعودية تضييق الخناق على إيران، وإغراقها في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي هذه اللحظة أوفدت الإمارات في يوليو الماضي فريقاً من مسئوليها إلى إيران بشكل اضطراري كي تتلافى موجات اللهب القادمة من شرق الخليج. كان على رأس الوفد الإماراتي قائد قوات خفر السواحل الإماراتي، والذي عقد لقاءً مباشراً مع قائد قوات حرس الحدود الإيراني في طهران، واختتم بتوقيع مذكرة تفاهم بين البلدين.

 

قالت الإمارات وإيران أن الاتفاق الموقع يهدف الى “تعزيز وترسيخ الأمن الحدودي” بين البلدين.

قبل ذلك بأيام قلائل أعلنت الإمارات بأنها بدأت بسحب تواجدها العسكري من اليمن، وأنها غيرت تموضعها واستراتيجيتها العسكرية هناك بتموضع جديد يسند ويدعم كل خيارات السلام المتاحة على الطاولة.

غير أن ما يدور في الخفاء كان أكبر، فالوفد الإماراتي الذي أراد أن تكون زيارته “مظفرة” حمل لقيادة طهران ما اعتقد الاماراتيون يومها أنه «عرض لا يُقاوم». ثلاثة بنود واضحة: الأول، إعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها. الثاني، تأمين حماية مشتركة من البلدين للممرات البحرية لتأمين تدفق النفط من كل الدول المطلّة على الخليج. الثالث، والأهم: نحن مستعدون لمغادرة اليمن!

المفاجئ أن الرسالة الإماراتية، أو بالأصح “القربان” الذي قدمه الوفد الإماراتي لم يكن ليرضي غرور الملالي في طهران، خاصة وأن طهران ترى أن الإمارات لم تنسحب أصلاً، وأن الأمر لا يعدو كونه “تحريك عسكري شكلي” لن يغير من طبيعة الواقع على الأرض: الإمارات لا تزال المتحكم الأول والأخير بالمشهد السياسي والعسكري في المحافظات اليمنية الجنوبية المحررة.

جاء الرد الإيراني صادماً، وبلغة ملؤها القوة والاستعلاء: لا نقاش معكم قبل أن ترفعوا أيديكم عن اليمن.

لم ييأس الإماراتيون بعد الردّ الايراني ، فتوسّلوا وساطة روسية مع طهران اثناء زيارة وزير الخارجية الاماراتي عبدالله بن زايد لموسكو في 25 يوليو الماضي. لكن الجواب كان واحداً: لا شيء لدينا لنفاوض حوله.

أعقب ذلك الفشل الذريع في استرضاء الغول الإيراني اجتماع طارئ في أبوظبي، بحسب تقارير صحفية. الاجتماع الذي رأسه محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، ضم أمراء الإمارات السبع وقيادات رفيعة في الجيش والدولة.

كان الهدف هو الخروج بعرض لا يمكن أن ترفضه إيران. وانتهى الاجتماع بالتوصل للعرض الأنسب: طعن مشروعية التدخل العسكري السعودي في اليمن، وإجبار السعودية على الخوض في مفاوضات مباشرة مع المليشيا الحوثية، يفضي في المحصلة إلى تأمين بقاء الحوثي كسلطة أمر واقع في الشمال.

أما الوسيلة فكانت دراماتيكية: تنفيذ انقلاب ناجح على الحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن، وشرعنة ذلك الانقلاب عبر إقناع السعودية بضرورة الضغط على (الشرعية) للقبول باقتسام إدارة الدولة مع (الانتقالي).

الخطورة هنا لا تتعلق فقط بإعطاء المتمردين المدعومين من الإمارات حصة في الحكومة، بل في نسف القاعدة الأساسية التي بني عليها التحالف وقامت عليها عملية عاصفة الحزم أساساً، وهي كسر التمرد على الحكومة اليمنية وإسناد السلطة الشرعية للعودة الى صنعاء وقيادة المرحلة التوافقية مجدداً.

وهذا ما عبّر عنه المفكر الفلسطيني عزمي بشارة بالقول: من زاوية نظر ما يسمى “المجتمع الدولي”ينهار مبدأ الشرعية بمجرد طرح السؤال: إذا سُمح بنشوء سلطة ضد الشرعية في جنوب اليمن بقوة السلاح، فلماذا يرفض ذلك في شمال اليمن؟

القربان الإماراتي الذي تحقق يوم السبت قبل الماضي باقتحام جنود المجلس الإنتقالي الإماراتي مقر الحكومة الشرعية في عدن “قصر المعاشيق” قد يحقق ما تصبو له أبوظبي وهو “كسب ود طهران”، لكنه – حتى اللحظة – بحاجة إلى ضوء أخضر سعودي عبر إخضاع الشرعية للإرادة الإماراتية.

وإن تحقق هذا فإن “السعودية لن تنسف الشرعية فقط، بل إنها بذلك تكون قد أطلقت النار على رأسها” بحسب تعبير المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي.

 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق