كيف يهندس الحوثيون عمليات التغيير الديموغرافي في اليمن!

25 أغسطس 2017
كيف يهندس الحوثيون عمليات التغيير الديموغرافي في اليمن!
عدنان هاشم
عدنان هاشم

بقلم - عدنان هاشم

لجأ الحوثيون من أجل استهداف مؤسسات الدولة والسيطرة على الدولة برمتها، إلى استهداف النسيج الاجتماعي اليمني وتمزيق هويته الجامعة، للحصول على أتباع وأنصار ومقاتلين، ولأجل تحقيق تلك الأهداف استخدم الحوثيون تغيير الديموغرافيا اليمنية والحصول على مناطق سيطرة وحكم فعلي للجماعة، حتى تأمن البقاء ولأجل ذلك قامت بتجريف الهوية الوطنية وتجريف كل ما يتعلق بمعاداة الأخر والانتقاص من تكوينه، والانحياز لهوية فرعية أخرى.

يجب الإشارة في البداية إلى أن التغيير الديموغرافي في اليمن استهدف ثلاثة مستويات مهمة:
– تغيير ديموغرافي يتعلق بالنسيج الاجتماعي اليمني، وحدثت فيه حملات من تجريف الهوية الوطنية وإحياء الهويات الفرعية (الطائفية-الاثنية-المناطقية).
– تغيير ديموغرافي متعلق بالحرب والدمار وعمليات النزوح الداخلي والخارجي.
– تغيير ديموغرافي متعلق بعمليات التهجير الممنهجة وعمليات الإحلال السُكاني كبديل.
نشير إلى أن الجمهورية الإيرانيَّة استخدمت هذه المستويات من التغير الديموغرافي في مناطق ذات قوميات أخرى عدا القومية الفارسية، واستخدمها تنظيم حزب الله في لبنان، ومؤخراً يستخدم بشكل ممنهج في سوريا، وإن كانت اليمن هي الأقل بشكل كبير مقارنة بهذه الدول. يصعب تحديد نتائج التغيير بشكل واضح؛ لأنه لا توجد حتى الآن دراسات مسحية تكشف حجم التغير الديموغرافي داخل الجمهورية، لكن ملامح ذلك تحضر بشكل لافت في مناطق سيطرة جماعة الحوثي المسلحة نتيجة الفروض والخلفيات التي تستند إليها الجماعة (عقائدياً- واثنيناً)، فيما شُجّعت المناطقية كوسيلة للتمدد أكثر في مناطق خصومها؛ ما يعني مخاطر تتجاوز مخرجات الحرب الحالية داخل البلاد وستضع أية حكومة قادمة في اختبار صعب وتحديات كبيرة لتسوية المظالم الجديدة، وفي حال تجاهلها سيعني مرحلة انتقالية باتجاه حرب أخرى.

تأثر النسيج الاجتماعي
دفعت عملية التحشيد العسكرية على أسس “مذهبية/طائفية” والعداء -المُستبطن- للعائلات وحتى لأبناء مناطق مُعينة، متخذةً أشكالاً عِدة وفق عمليات تحريض (بوعي أو بدون وعي)، أدت في نهاية المطاف إلى تبادل كراهية بين أفراد المجتمع.

على سبيل المثال دفع الحوثيون منذ بدء عمليات عاصفة الحزم -مارس/أذار2015- إلى التحريض على حزب التجمع اليمني للإصلاح، كما فعل علي عبدالله صالح عبر آلته الإعلامية وصل الأمر إلى دعوة صالح إلى استهداف كل الإصلاحيين! وبعد معارضة من قيادات في حزبه تراجع عن هذا التحريض. بالمقابل استخدم الحوثيون هذه الحرب لتحشيد “الهاشميين”، وأن هذه الحرب تستهدف كل هاشمي في البلاد، وجعل العامة من الهاشميين والقبائل في فوهة المدافع وفي جبهات القتال، وأجبر رجال الأعمال الهاشميين إلى تمويل الحرب أو على الأقل فرض جبايات كبيرة وضخمة تصل إلى حصة كبيرة في أرباحهم بشكل شهري تسلم إلى الجماعة. وللأسف أن عدداً من القادة والمسؤولين والكُتاب الصحفيين انجروا وراء حملة شعواء دفعت بالعائلات الهاشمية -التي تعارض الحوثيين وفكرهم وطريقة وصولهم إلى السلطة- إلى التحالف مع الجماعة المسلحة خشية الانتقام.

يشيع الحوثيون -أيضاً- أن المستهدف هو “المذهب الزيدي” [الهادوي]، وحول المحافظات التي -تاريخياً- تمثل عمقاً للمذهب إلى ترسانة ضخمة من المقاتلين الذين يقاتلون من أجل حماية “مذهبهم” من قبل “الشوافع/الوهابيين”، ومع الكثير من التعليم والدورات التي يطلق عليها الحوثيون “ثقافية” ونتيجة غياب “المذهب الزيدي الصحيح” عن التعليم وعن المدارس، حلَّ المذهب الإثنى عشري/الجعفري محل “الزيدي” وأصبحت الكراهية الطائفية جزءًا من معركة التحشيد المُتبعة في اليمن والتي جاءت من حوزة “قُمّ” الإيرانيَّة عبر طلاب يمنيين درسوا في “الحوازات العلمية” سواءً في إيران (أغلبهم) أو في العراق (بعضاً منهم)، ووفقاً لهذا التحشيد الطائفي من قِبل جماعة الحوثي، استذكر أبناء المحافظات الوسطى دور الإمامة (نظام الحكم قبل سبتمبر/أيلول1962) وكيف كان جيشه حكراً على “الزيدية” فأصبحت المناطق الوسطى تطلق على أصحاب المرتفعات/ المحافظات الجبلية الشمالية بـ”الزّيُود/بني مزيد” أو تطلق على كل مواطن -حتى ولو كان هارباً من الجماعة- من ذمار أو صعدة (معقل الجماعة) بالحوثي، وأصبح الهاشمي/حوثياً حتى لو كان هذا المواطن رافضاً للجماعة ولفكرها وممارستها.

ويعود السبب في ذلك إلى كون أسس/منطلقات الفكر/العقيدة الحوثية قائماً على مرتكزات “طائفية/ عرقية” والمناطقية لا تأتي إلا في الجزء الأخير من تعبيرات الجماعة التي تعتقد نفسها ضمن دور اصطفائي/رباني لإدارة الدولة والمجتمع وسياسته ضمن إطار أكبر -إيرانياً- في محور المقاومة التي تمهد لوصول المهدي المنتظر؛ لذلك فإن الهوية الوطنية مختفية بتاتاً من المرتكزات الحوثية. فالهوية الوطنية الجامعة تمثل خطراً على بقاء الجماعة إذ إن وجودها تعني اختفاء الهويات الفرعية وفشل الجماعة في التحشيد وتكسب التعاطف من الهاشمية والزيدية والمناطق الشمالية، ومعها ينعدم جرَّ بقية اليمنيين نحو إعلاء الهوية الفرعية بدلاً من الهوية الوطنية، فعّمد الحوثيون/علي عبدالله صالح إلى تجريف الهوية الوطنية الجامعة وتحويلها إلى غريبة، فأصبح من ينادي ب”اليمن/اليمنية” بعيداً عن أية هوية “غريباً ومُستسخفاً”.

التغير بفعل الحروب
كانت الحروب الست (2004-2010) مُلهمةً للحوثيين ساعدت الحوثيين على الانتشار، والتموضع العسكري والسياسي في المحافظات الشمالية، فنظام مُستبد يحارب جماعة “مُتمردة” حاربت أيضاً من أجل بقائها عصيّة على الكسر، وكان ذلك نتيجة عِدة عوامل إذ استخدمت الجماعة -كما تعمل الآن- على تحشيد “الهاشمية/الزيدية” السياسيتين واعتبارهما مستهدفتين، ما جعل المجتمع المتماسك ينفرط عِقده نتيجة تجييش – بعلم أو دون عِلم نظام علي صالح (حليف الحوثيين الآن)- لمهاجمة هاتين الهويتين الفرعيتين.

كما أن الحوثيين قاموا بعمليات تجريف أكبر- اتضحت لاحقاً في مظلوميات سكان صعدة وحجة- في المناطق التي خضعت لسيطرتهم، حيث دارت مواجهات بين القبائل المساندة للحكومة والحوثيين بين (2004-2014)، لتظهر عملية التغيّر الديموغرافي بوضوح تام.

فعلى سبيل المثال أدت الحروب الست إلى موجة نزوح كبيرة من محافظة صعدة، وتم تهجير مئات الآلاف من المواطنين استقر بهم الحال في مخيمات النازحين مثل “المزرق” و”مندبة” و”حرض” وغيرها، أو في المناطق الأخرى كأمانة العاصمة وعمران والجوف وحجة، وعند انتهاء الحرب وحالوا العودة إلى منازلهم ومزارعهم، تفاجأوا بأنها أن أصبحت ملكاً لأخرين استجلبتهم جماعة الحوثي من أنصارها ورجالها من محافظات أخرى، وأصبحوا يمتلكون وثائق من زعيم الجماعة، بملكية تلك الممتلكات؛ لم تنف الجماعة شكاوى بالمئات، ولم تتحرك الحكومة اليمنية من أجل إنصاف قضاياهم.

قام الحوثيون بمراحل متعددة بتحويل “صعدة” إلى منطقة حكم ذاتي ومنطقة عسكرية مغلقة، كما زادت الجماعة وموالوها بشراء الأراضي والمزارع، وإحلال سكان آخرين من مناطق أخرى، إضافة إلى أن مسلحي الجماعة من محافظات صنعاء وذمار وعمران استوطنوا المحافظة وامتلكوا أراضي ومنازل إما بشراء أو هبات وعطايا من الجماعة، ومن يرفض يتم تهجيره من منزله وممتلكاته كما حدث مع “يهود آل سالم” و “سكان دماج”.

ويمكن العودة في ذلك إلى الدراسات الأولى للاستيطان الصهيوني في فلسطين والتي تشير إلى ممارسات الثري الصهيوني منتيفيوري، الذي استطاع في عام 1855م أن يشتري قطعة أرض في مدينة القدس، أقام عليها في عام 1857م أول حي سكني صهيوني في فلسطين خارج أسوار مدينة القدس، وهو حي (مشكانوت شعنا نيم) وعرف في ما بعد بـ (يمين موسى).

وتشبه أيضاً ما قامت به الدولة الإيرانيَّة ضد الأقليات والإحلال في مناطق سيطرة الأقليات الأخرى للتأثير عليها، وتشبه تماماً خُطَّة حزب الله في السيطرة على الضاحية الجنوبية في لبنان. ففي ثمانينيات القرن الماضي كان 48% من سكان الضاحية الجنوبية من المسلمين السُنة، قام حزب الله بشراء المنازل والأراضي الزراعية بمبالغ عالية جداً، ومن تمسك منهم بأرضه ومنزله يقتل في خضم حرب طائفية أحرقت الأخضر واليابس، واليوم يحكم حزب الله الضاحية الجنوبية ويتحكم بكل سياسة لبنان الداخلية والخارجية. وبالمثل حدث في اليمن لذلك ما يزال 300 ألف نازح موجودين في حجة وعمران تحت الخيام.
منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014م قامت الجماعة والتُجار بشراء المباني الكبيرة والأراضي بمساحات واسعة في محيط صنعاء، ومعظم هؤلاء الذين اشتروا تلك الأراضي تابعون للجماعة المسلحة، وسبق أن كشفت تحقيقات صحفية هذه الطريقة للشراء وإحلال سُكان (كما حدث في صعدة) من محافظات “صعدة/عمران/ حجة” الموالين لجماعة الحوثي، صنعاء بطبيعة الحال ينتمي مواطنوها (2مليون نسمة) لكل محافظات البلاد، ومن الصعب أن يحدث تغيراً ديمغرافياً سريعاً كما حدث في (صعدة) لكن مع الوقت ستصبح الأراضي الخالية في محيط أمانة العاصمة مباني ولها سكانها -الذين سيكون معظمهم من أنصار الجماعة- ويمثلون ضغطاً أكبر على أية حكومة في صنعاء العاصمة، وتشير تحقيقات صحفية إلى أن الحوثيين يقومون بشراء عقارات بمليارات الريالات في مناطق رئيسية ومهمة وسط العاصمة، وتمثل مرتكزات في حال حدثت حرب أهلية في المستقبل المنظور.

التهجير
يُمثل التهجير الورقة الرابحة للسيطرة على أحياء ومدن بأكملها، ويستخدم عادةً كأخر حلول الاستيطان وبناء دولة/ مقاطعة/ محافظة على أساس ديني/طائفي/عرقي، وتتجلى في هذه الأداة في كشف التغيير الديموغرافي على حقيقته، وهي التي لا تعكسه الأداتان السابقتان (التغيير الديموغرافي على أسس طائفية/أثنية) (التغير الديموغرافي بسبب الحروب والنزوح).

وصلت اليمن إلى مرحلة تأجيج قاسية لم يسبق لليمنيين أن وصلوا لها منذ عبدالله بن حمزة (1200م-600هـ) عندما أباد أبناء الطائفة المطرفية في حراز، وهي النقطة الأكثر رعباً في تاريخ اليمن، وبدأ التهجير من صعدة ابتداء بيهود (آل سالم) في صعدة 2011، أعقبه تهجير للسلفيين من دماج في يناير/كانون الثاني 2014م.

لقد تاه المهجرون من دماج وعددهم 15 ألف نسمة مع عائلاتهم بين صنعاء والمحافظات المجاورة، أشار مسؤولون حكوميون وقتها أن الرئيس عبدربه منصور هادي اتفق مع السلفيين أن ينتقلوا إلى الحديدة، لكن ذلك لم يحدث، ظلت المأساة شهوراً وانشغل اليمنيون بأحداث اقتراب الحوثي من العاصمة، ضاع ملف تهجير سكان دماج في الأدراج وفقد الجميع طريق الوصول إلى المسؤولين الذين لم يختموا عام 2014م إلا بسيطرة كاملة للحوثيين على السلطة والثروة وأحكموا قبضتهم على الدولة والقرار السياسي فيها.

باجتياح المليشيات صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014م ترك المعارضون السياسيون والصحفيون منازلهم خشية الاعتقال في شكل آخر من أشكال التهجير القسري تفرقوا بين المحافظات وفي مدنها بعد أن عاشوا أياماً وأسابيع متخفين داخل صنعاء، حتى جاءت عمليات التحالف العربي الذي تقوده السعودية في مارس/آذار 2015م.

دخل المتمردون الحوثيون مرحلة جديدة من تهجير اليمنيين وفرز هوياتهم، فطردوا المدنيين من منازلهم في مناطق القتال ليحولوها إلى تحصين ضد تقدم القوات الحكومية؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر قام الحوثيون خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2016م بتهجير أكثر من خمسين ألف نسمة من قرى تعز.

الخلاصة
يظهر التغيير الديموغرافي في اليمن بسيطاً مقارنة ب”سوريا” و”لبنان” و”العراق”، فهي في بداياتها فيما يتعلق بإحلال السُكان، لكن تجريف الهوية الوطنية أصبح أكثر رعونة وترسخ من ذي قبل فالفرز الحوثي منذ 2004م بين موالٍ للسلفية ومعادٍ للحوثية/الشيعية/ أصبح أكبر وأشد وأكثر تأثيراً في نسيج المجتمع ومع تمدد هذه الشروخ والحرب يتمدد عمل الأداتين الأخيرتين.

إن هناك علاقة طردية بين المفاعيل الثلاثة للتغيير الديموغرافي؛ فكلما زاد الفرز الاجتماعي، والهويات الفرعية كلما زادت عملية التغير الديموغرافي ولجوء السكان إلى الانكفاء في هوياتهم الفرعية الأخرى في السكن فيحرص اليمني على أن يسكن في حيّ يميل إلى توجهاته ويرفض الحيّ/المنطقة سكان أخرين تواجدوا عبر سلالاتهم في تلك المنطقة لينتقلوا إلى أخرين يحتضنون هويتهم الفرعية، وهكذا.

ستنتهي الحرب في اليمن، فلا حرب تدوم أبداً، ومع كل “حرب أهلية” تنشأ تلك الهويات الفرعية، التي تُدين الهوية الوطنية الجامعة، وتحاول محوها لتطغى كتفككية مُحبطة لأجيال ما بعد الحرب، ولتظهر كلمة “المواطنة” كغرابية تثير الشجون، ومزاعم الخوف من مستقبل هويتهم الفرعية.
لكن في النهاية وجود تيار سياسي ومشروع وطني يمتد على طول البلاد وعرضها وفي كل منطقة ومنزل هو السبيل الوحيد لبقاء اللحمة الاجتماعية وإعادة الهوية الوطنية الجامعة كما كانت.
*نشر أولاً في الإصلاح نت

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق